التعميم.. مشكلة في العقل البشري
أنس الخطيب
إنَّ العقل البشري دائمًا يسعى إلى فهم من حوله من خلال مجموعة من الصناديق الجاهزة, فيستخدم التعميم ليسهل عليه إلقاء الحكم من غير استثناء, فالتعميم هو وضع المتفاوتات في مرتبة واحدة من غير برهان, ويسميه بعضهم “القفز إلى الخاتمة” وذالك لسهولتها, ولإنهاء الموضوع.
هذه النظرة العمومية لا تدع مجالاً للاستثناء فتحرق الأخضر واليابس, ففكرة التعميم تجد رواجًا عند فئة كبيرة في المجتمع وذالك لأنها لا تجلب الجهد ولا العناء في التفكير والبحث, فمن السهل أن تقول إن كل الشعوب الأفريقية متخلفة, أو أمريكا كلها تكره الإسلام, أو أنَّ الأطباء في هذا المستشفى لا يعرفون الطب, أو أصحاب المذهب الفلاني كلهم مبتدعة, أو جميع القضاة ظلمة, إنَّ هذه العبارات مختصرة وفي قوالب جاهزة لا تجلب العناء, ومع أنها عبارات قوية, إلا أنا نجد صاحبها يقولها بكل سهولة ومن دون تفكير, وما إن تستدرك عليه هذا التعميم إلا وتجده يرميك بأنك جاهل, علماني, موالي للغرب, سفيه, ليس لديك علم, فاسق, وذالك من القوالب الفكرية الجاهزة التي لا يعرفُ معناها أيضًا, وكأنه بتعميمه هذا بات أشبه بذالك الدكتور الذي يعمم وصفته الطبية لكل مرضاة فيعطي دواء محددًا للذي يعاني من صداع ويعطيه أيضًا للذي يعاني من مرض في الأمعاء!
وإذا رجعنا إلى هذه الأحكام الصادرة من المعمِّم لرأينا أنها صدرت من شخص رأى أو سمع موقفا مسيئًا من أحدهم, فسمح لعاطفته بالتأثير عليه, فأطلق حكمه العام على ذالك الشخص أو تلك المجموعة أو البلد, استنادًا إلى مثال أو مثالين فقط, فالتعيم لا يكون صحيحًا غالبًا.
التعميم ليس من مسلك الحكماء ولا العقلاء, وإنما هو نتيجة لسببين:
السبب الأول: قلة العلم والخبرة, وهذه الحالة يلجأ إليها الطفل غالبًا وذالك لقلة علمه وخبرته وصعوبة تصنيف الأشياء من حوله, فتجده يمر على قطة فيقول بابا هذه قطة, ويمر على كلب ويقول بابا هذه قطة, ويمر على حصان ويقول هذه قطة, وذالك لأنها حيوان وأنها تمشي على أربع فنجد الطفل لقلة علمه وخبرته لا يفرق, وهذه مرحلة عمرية لا يلام عليها الطفل لكننا نلوم من تستمر معه هذه المرحلة حتى يصبح رجل بتفكير طفل فنجده لا يستطيع التمييز بين المجتمعات أو الجماعات فيعمم.
السبب الثاني: التعصب سواء الديني أو القبلي أو غيرها, فتجد المتعصب يستخدم صندوق التعميم وذالك لإسقاط المذاهب الأخرى لنصرة مذهبه, فنجده يقول إن كل السنّة مبتدعة, أو كل الشيعة كفار, فهذا مرض تفشَّى في الأمة الإسلاميَّة وفيه من الظلم مالا يخفى, فنجد رجل دين تكلم في مسألة فتجد أعداءهُ لا يخطِّئون هذا الرجل بل يخطئون كل أتباعه, وذلك فيه من تحميل الناس مالا يستحقون, فلقد فصَل الله في هذا الحكم وحرمه, أي التعميم فقال: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
إنَّ استخدام ألفاظ مثل غالب, أغلب, كثير, أكثر, قليل, أقل, يظل أقرب إلى السلامة من استخدام جميع, كل, عامة, لأنَّ الألفاظ الأولى تترك مجالاً للاستثناء, ويقول الدكتور عبد الكريم بكار: “إن التعميم المفرط من أكثر أخطاء التفكير شيوعًا, وذالك بسبب عجز معظم الناس عن إصدار أحكام مبنية على رؤية تفصيلية منصفة”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق